الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
.تفسير الآيات (67- 68): {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}وقرئ: {سادتنا} و {ساداتنا}: وهم رؤوساء الكفر الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم. يقال: ضلّ السبيل وأضله إياه، وزيادة الألف لإطلاق الصوت: جعلت فواصل الآي كقوافي الشعر، وفائدتها الوقف والدلالة على أن الكلام قد انقطع، وأن ما بعده مستأنف. وقرئ: {كثيراً} تكثيراً لإعداد اللعائن. وكبيراً، ليدل على أشدّ اللعن وأعظمه {ضِعْفَيْنِ} ضعفاً لضلاله وضعفاً لإضلاله: يعترفون، ويستغيثون، ويتمنون، ولا ينفعهم شيء من ذلك..تفسير الآية رقم (69): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)}{لاَ تَكُونُواْ كالذين ءاذَوْاْ موسى} قيل: نزلت في شأن زيد وزينب، وما سمع فيه من قالة بعض الناس. وقيل: في أذى موسى عليه السلام: هو حديث المومسة التي أرادها قارون على قذفه بنفسها، وقيل: اتهامهم إياه بقتل هارون، وكان قد خرج معه إلى الجبل فمات هناك، فحملته الملائكة ومرّوا به عليهم ميتاً فأبصروه حتى عرفوا أنه غير مقتول. وقيل: أحياه الله فأخبرهم ببراءة موسى عليه السلام. وقيل: قرفوه بعيب في جسده من برص أو أدرة، فأطلعهم الله على أنه بريء منه {وَجِيهاً} ذا جاه ومنزلة عنده، فلذلك كان يميط عنه التهم، ويدفع الأذى، ويحافظ عليه، لئلا يلحقه وصم ولا يوصف بنقيصة، كما يفعل الملك بمن له عنده قربة ووجاهة.وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبو حيوة: {وكان عبد الله وجيهاً} قال ابن خالويه: صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان، فسمعته يقرؤها. وقراءة العامة أوجه؛ لأنها مفصحة عن وجاهته عند الله، كقوله تعالى: {عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ} [التكوير: 20] وهذه ليست كذلك، فإن قلت: قوله: {مِمَّا قَالُواْ} معناه: من قولهم، أو من مقولهم؛ لأنّ (ما) إما مصدرية أو موصولة، وأيهما كان فكيف تصحّ البراءة منه؟ قلت: المراد بالقول أو المقول: مؤداه ومضمونة وهو الأمر المعيب، ألا ترى أنهم سموا السبة بالقالة، والقالة بمعنى القول؟..تفسير الآيات (70- 73): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}{قَوْلاً سَدِيداً} قاصداً إلى الحق والسداد: القصد إلى الحق، والقول بالعدل. يقال: سدّد السهم نحو الرمية: إذا لم يعدل به عن سمتها، كما قالوا: سهم قاصد، والمراد: نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول، والبعث على أن يسد قولهم في كل باب؛ لأنّ حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كله. والمعنى: راقبوا الله في حفظ ألسنتكم، وتسديد قولكم، فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم الله ما هو غاية الطلبة: من تقبل حسناتكم والإثابة عليها، ومن مغفرة سيآتكم وتكفيرها. وقيل: إصلاح الأعمال التوفيق في المجيء بها صالحة مرضية وهذه الآية مقرّرة للتي قبلها، بنيت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه على الأمر باتقاء الله تعالى في حفظ اللسان؛ ليترادف عليهم النهي والأمر، مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام، وإتباع الأمر الوعد البليغ فيقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه. لما قال: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} وعلق بالطاعة الفوز العظيم، أتبعه قوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة} وهو يريد بالأمانة الطاعة، فعظم أمرها وفخم شأنها، وفيه وجهان، أحدهما: أنّ هذه الأجرام العظام من السموات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله عزّ وعلا انقياد مثلها- وهو ما يتأتى من الجمادات- وأطاعت له الطاعة التي تصح منها وتليق بها. حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته إيجاداً وتكويناً وتسوية على هيئات مختلفة وأشكال متنوعة، كما قال: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] وأما الإنسان فلم تكن حاله- فيما يصحّ منه من الطاعات ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه، وهو حيوان عاقل صالح للتكليف- مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع، والمراد بالأمانة: الطاعة؛ لأنها لازمة الوجود، كما أن الأمانة لازمة الأداء. وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها: مجاز. وأما حمل الأمانة فمن قولك: فلان حامل للأمانة ومحتمل لها، تريد أنه لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمّته ويخرج عن عهدتها؛ لأنّ الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها، ألا تراهم يقولون: ركبته الديون، ولي عليه حق، فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حاملاً لها. ونحوه قولهم، لا يملك مولى لمولى نصراً. يريدون: أنه يبذل النصرة له ويسامحه بها، ولا يمسكها كما يمسكها الخاذل، ومنه قول القائل:أي لا يمسك الرقة والعطف إمساك المالك الضنين ما في يده، بل يبذل ذلك ويسمح به. ومنه قولهم أبغض حق أخيك؟ لأنه إذا أحبه لم يخرجه إلى أخيه ولم يؤده، وإذا أبغضه أخرجه وأدّاه، فمعنى، فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، فأبين إلاّ أن يؤدينها وأبى الإنسان إلاّ أن يكون محتملاً لها لا يؤديها.ثم وصفه بالظلم لكونه تاركاً لأداء الأمانة، وبالجهل لإخطائه ما يسعده مع تمكنه منه وهو أداؤها.والثاني: أن ما كلفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله: أنه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه وأشدّه: أن يتحمله ويستقل به، فأبى حمله والاستقلال به وأشفق منه، وحمله الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها، وضمنها ثم خاس بضمانه فيها، ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب. وما جاء القرآن إلاّ على طرقهم وأساليبهم من ذلك قولهم: لو قيل للشحم: أين تذهب؟ لقال: أسوي العوج، وكم وكم لهم من أمثال على ألسنة البهائم والجمادات. وتصوّر مقاولة الشحم محال، ولكن الغرض أنّ السمن في الحيوان مما يحسن قبيحه، كما أن العجف مما يقبح حسنه، فصوّر أثر السمن فيه تصويراً هو أوقع في نفس السامع، وهي به آنس وله أقبل، وعلى حقيقته أوقف، وكذلك تصوير عظم الأمانة وصعوبة أمرها وثقل محملها والوفاء بها.فإن قلت: قد علم وجه التمثيل في قولهم للذي لا يثبت على رأي واحد: أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى؛ لأنه مثلت حاله- في تميله وترجحه بين الرأيين وتركه المضي على أحدهما- بحال من يتردد في ذهابه فلا يجمع رجليه للمضي في وجهه. وكل واحد من الممثل والممثل به شيء مستقيم داخل تحت الصحة والمعرفة، وليس كذلك ما في هذه الآية؛ فإن عرض الأمانة على الجماد وإباءه وإشفاقه محال في نفسه، غير مستقيم، فكيف صحّ بناء التمثيل على المحال، وما مقال هذا إلاّ أن تشبه شيئاً والمشبه به غير معقول.قلت: الممثل به في الآية وفي قولهم: لو قيل للشحم أين تذهب. وفي نظائره مفروض، والمفروضات تتخيل في الذهن كما المحققات: مثلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحاله المفروضة لو عرضت على السموات والأرض والجبال لأبين أن يحملنها وأشفقن منها. واللام في {لّيُعَذّبَ} لام التعليل على طريق المجاز: لأنّ التعذيب نتيجة حمل الأمانة، كما أن التأديب في ضربته للتأديب نتيجة الضرب.وقرأ الأعمش: {ويتوب}؛ ليجعل العلة قاصرة على فعل الحامل، ويبتدئ: {ويتوب الله}. ومعنى قراءة العامة: ليعذب الله حامل الأمانة ويتوب على غيره ممن لم يحملها، لأنه إذا تيب على الوافي كان ذلك نوعاً من عذاب الغادر، والله أعلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله وما ملكت يمينه، أعطي الأمان من عذاب القبر». .سورة سبأ: .تفسير الآيات (1- 2): {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)}ما في السموات والأرض كله نعمة من الله، وهو الحقيق بأن يحمد ويثنى عليه من أجله، ولما قال: {الحمد لِلَّهِ} ثم وصف ذاته بالإنعام بجميع النعم الدنيوية، كان معناه: أنه المحمود على نعم الدنيا، كما تقول: أحمد أخاك الذي كساك وحملك، تريد: أحمده على كسوته وحملانه. ولما قال: {وَلَهُ الحمد فِي الأخرة} علم أنه المحمود على نعم الآخرة وهو الثواب.فإن قلت: ما الفرق بين الحمدين؟ قلت: أمّا الحمد في الدنيا فواجب، لأنه على نعمة متفضل بها، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة وهي الثواب. وأمّا الحمد في الآخرة فليس بواجب، لأنه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها، وإنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم: يلتذون به كما يلتذ من به العطاش بالماء البارد {وَهُوَ الحكيم} الذي أحكم أمور الدارين ودبرها بحكمته {الخبير} بكل كائن يكون. ثم ذكرها مما يحيط به علماً {مَا يَلِجُ فِي الأرض} من الغيث كقوله: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض} [الزمر: 21] ومن الكنوز والدفائن والأموات، وجميع ما هي له كفات {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من الشجر والنبات، وماء العيون، والغلة والدواب، وغير ذلك {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والأرزاق والملائكة وأنواع البركات والمقادير، كما قال تعالى: {وَفِى السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من الملائكة وأعمال العباد {وَهُوَ} مع كثرة نعمه وسبوغ فضله {الرحيم الغفور} للمفرطين في أداء مواجب شكرها.وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: تنزل، بالنون والتشديد..تفسير الآيات (3- 4): {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}قولهم: {لاَ تَأْتِينَا الساعة} نفي للبعث وإنكار لمجيء الساعة. أو استبطاء لما قد وعدوه من قيامها على سبيل الهزء والسخرية، كقولهم: {متى هذا الوعد} [يونس: 48]، [الأنبياء: 38]. أوجب ما بعد النفي ببلى على المعنى: أن ليس الأمر إلا إتيانها، ثم أعيد إيجابه مؤكداً بما هو الغاية في التوكيد والتشديد، وهو التوكيد باليمين بالله عزّ وجلّ، ثم أمد التوكيد القسمي إمداداً بما أتبع المقسم به من الوصف بما وصف به، إلى قوله: {لِّيَجْزِىَ} لأنّ عظمة حال المقسم به تؤذن بقوّة حال المقسم عليه وشدّة ثباته واستقامته، لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر، وكلما كان المستشهد به أعلى كعباً وأبين فضلاً وأرفع منزلة، كانت الشهادة أقوى وآكد، والمستشهد عليه أثبت وأرسخ.فإن قلت: هل للوصف الذي وصف به المقسم به وجه اختصاص بهذا المعنى؟ قلت: نعم وذلك أن قيام الساعة من مشاهير الغيوب، وأدخلها في الخفية، وأوّلها مسارعة إلى القلب: إذا قيل: عالم الغيب، فحين أقسم باسمه على إثبات قيام الساعة، وأنه كائن لا محالة، ثم وصف بما يرجع إلى علم الغيب، وأنه لا يفوت علمه شيء من الخفيات، واندرج تحته إحاطته بوقت قيام الساعة، فجاء ما تطلبه من وجه الاختصاص مجيئاً واضحاً.فإن قلت: الناس قد أنكروا إتيان الساعة وجحدوه، فهب أنه حلف لهم بأغلظ الأيمان وأقسم عليهم جهد القسم، فيمين من هو في معتقدهم مفتر على الله كذباً كيف تكون مصححة لما أنكروه؟ قلت: هذا لو اقتصر على اليمين ولم يتبعها الحجة القاطعة البينة الساطعة وهي قوله: {لِّيَجْزِىَ} فقد وضع الله في العقول وركب في الغرائز وجوب الجزاء، وأن المحسن لابد له من ثواب، والمسيء لابد له من عقاب. وقوله: {لِّيَجْزِىَ} متصل بقوله {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} تعليلاً له. قرئ: {لتأتينكم} بالتاء والياء. ووجه من قرأ بالياء: أن يكون ضميره للساعة بمعنى اليوم. أو يسند إلى عالم الغيب، أي ليأتينكم أمره كما قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ} [الأنعام: 158] وقال: {أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبّكَ} [النحل: 33]. وقرئ: {عالم الغيب} و {علام الغيب}: بالجرّ، صفة لربي. وعالم الغيب، وعالم الغيوب: بالرفع، على المدح. ولا يعزب: بالضم والكسر في الزاي، من العزوب وهو البعد. يقال: روض عزيب: بعيد من الناس {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} مقدار أصغر نملة {ذلك} إشارة إلى مثقال ذرّة. وقرئ: {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر}. بالرفع على أصل الابتداء. وبالفتح على نفي الجنس، كقولك: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، بالرفع والنصب. وهو كلام منقطع عما قبله.فإن قلت: هل يصحّ عطف المرفوع على مثقال ذرّة، كأنه قيل: لا يعزب عنه مثقال ذرة وأصغر وأكبر وزيادة، لا لتأكيد النفي. وعطف المفتوح على ذرّة بأنه فتح في موضع الجرّ لامتناع الصرف، كأنه قيل: لا يعزب عنه مثقال ذرّة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر؟ قلت: يأبى ذلك حرف الاستثناء، إلاّ إذا جعلت الضمير في {عَنْهُ} للغيب. وجعلت {الغيب} اسماً للخفيات. قبل أن تكتب في اللوح لأنّ إثباتها في اللوح من البروز عن الحجاب، على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء، ولا يزل عنه إلاّ مسطوراً في اللوح.
|